الاثنين، يناير 18، 2016

هذا الكاتب مفلس!


الكاتب غير القاريء مفلس ليس من عدد القرّاء أو المعجبين وإنما بما سيقدمه لهم في كل مرة، هذا ما يمكن استنتاجه من خلال بعض البحث والتقصي لحالة بعض الكتّاب الذين لم يهضموا بعد فكرة إلزامية الغوص في بحر القراءة والإطلاع…
من المؤكّد أن الموهبة تلعب دورا فعالا في الأمور الإبداعية غير أنها وحدها لا تكفي البتة ولا تسدُّ رمق المتتبع والمتطلع دوما لكل ما هو جديد ومختلف… فكل عمل يحتاج إلى جهد جهيد حتى يخرج في صورة بعيدة عن الشوائب والثغرات المسيئة للعمل والعامل عليه في نفس الوقت…
ولعلنا لو غيرنا الوجهة قليلا إلى موهبة الرسم سنُدرِك أكثر فداحة الموضوع، فلو سلمنا أن هناك طفلا مبدعا رسم لوحة جذابة سنعجب بها حتما، هذا الطفل، ومحاولة بعد الأخرى سينجز لنا اللوحة لكن بصورة مكررة رغم أنها في إطار جذَاب وقالب جميل فالمحتوى واحد وخطوط الريشة تدور في نفس الحلقة خالية من روح الانعتاق إلى ما هو أسمى، فلا تتحرر من ذلك الشكل أبدا إلى شكل أكثر تنوعاً… وستحنط في إطارها..
على هذا الرسام أن يشرع عينيه جيدا ويزحف بعيدا عن قوقعته نحو عوالم جديدة ومبتكرة في الفن فكثرة التأمل في الفن الراقي تجعل المتأمل لا يرضى سوى بما هو أرقى، وكذلك إذا جعلنا المقولة تنعكس على الكاتب فليس بوسعنا إلا أن نضيف بأن الإلهام لن يتدفق بشكل متميز إلا إذا جعلناه ينهل من روافد متشعبة… كل إنسان لديه الحق في الإبداع أو ممارسة العمل الإبداعي وكل كاتب ما هو إلا تلميذ في مدرسة الكتابة ولكي يستفيد من هذه المدرسة العريقة ولا يكون تواجده فيها منحصرا في تسجيل اسمه فقط أو كسب شهرة ونجاح ساحق يقيمه بموضة ال “باست سيلر” عليه يقتفي آثار كبار الأدباء والكتَّاب ويُنصِتَ جيّدا لنصائحهم التي تجتمع كلها في خانة حتمية المطالعة..
ولو أردنا أن نعطي مثالا بسيطا عن العقار الذي تمنحه المطالعة للفرد لن نجد أحسن من العصامي، العقاد الذي قال عن أدبه أنه “ليس مروحة في أيدي الكسالى النائمين” ، نعم العقّاد الذي لم يكمل دراسته فتحت له كثرة المطالعة أبوابا من الفكر الفذ جعلته يقارع به كبار الأدباء والمفكرين، فلولا قراءة العقاد لخمسين ألف كتاب خلال حياته مثلما ذكر تلميذه أنيس منصور، ولولا إطلاعه على غياهب الأدب المكدس على الورق هل كان يستطيع أن يرفض بأن يكون مروحة في أيدي الكسالى النائمين؟…
الإنسان بطبعه ما هو إلا باحث عن ذاته، ولن يجد هذه الذات إلا إذا عُجِن وتقولب مئات المرات، ولن يجد جلده الحقيقي إلا إذا غيّره باستمرار، وبالتالي لا بد للكاتب أن يحرر نفسه مرارا وتكرارا في بحر القراءة ليعيد جمع شتاته داخل محبرته…
إلهام مزيود