الأحد، فبراير 08، 2015

لغتنا العربية تئن تئن ...تئن

 

بعدما أنَت وانتحبت ثم تقوقعت وتشردت عروبتنا، هاهي عربيتنا تختنق أقصد هنا لغتنا العربية، تلك اللغة الجميلة الجذابة التي حين تغوص في ثناياها ستستعصي عليك العودة. طبعا أنا لا أطلب من أحد الغوص في بحور الشعر وعلم البلاغة والمرسى على شواطئ الأبجدية ...لا طبعا فهذا الأمر أصبح مثل الحلم للكثير .

وعتبي هنا ليس على السيد "مارك" مثلا أو غيره ممن سهل تكنولوجيا الفيس بوك والمنتديات وبقية المواقع، العتب ليس على من اخترع لوحة المفاتيح التي جعلت " العربي" المسكين ينشر غسيل اخطائه اللغوية والنحوية المتشعبة بكل سذاجة، ولكن العتب علينا نحن الذين نغض البصر عن مثل هذه العورات، العتب على اولئك الذين يفتخرون بأنهم لا يجيدون العربية ، او يكتبونها بحروف اجنبية ( فرونكوفون او انجلوفون)fhamtouni :p !?
فخلال تجوالك هنا وهناك وتصفحك لهذه الشبكة اللامحدودة ستجد العربية في ركن محدود مخنوق تئن بصمت قاتل، تئن بصوت مبحوح، تئن بوجه محمر حد الانصهار من فرط الخجل..." لماذا ابتلاني ابنائي الشرعيين بكلمات لاشرعية ؟ لماذا احرجوني بكتابة كلمات مثل، شكرن، عفون، جدن، .... أي ذنب اقترفه حرفي الذال والظاء ليتم مزجهما بحرف الزين لتهجين كلمات معاقة؟ "  ( أي زنب؟ لمازااا؟ ) D:
يا عربية ياحبيبتي ( لا أقصد هنا قناة العربية فهي ليست حبيبتي)، يا لغة يا عربية يا حبيبتي اصبري وصابري فالإمام علي كرم الله وجهه الذي كان يشكل من حروف الأبجدية ابداعا لا متناهيا قد رحل ...وقافلة الخنساء وقيس وغيرهم قد اضمحلت في صحراء تقهقرنا ... اصبري وحسب :) 
والفرنسي وليم مرسيه الذي قال بأن: ( العبارة العربية كالعود ، إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت ، ثم تُحَرَّك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر مَوْكباً من العواطف والصور )
هذا الفرنسي المسكين لا يعي بأن العود كُسِر بأيدينا، وان مواصلة البعض منا العزف بعود مرمم لم يعد يصدر سوى نشازا .
وأحب أبشر بالمناسبة الاستاذ مصطفى صادق الرافعي _رحمه الله_ بأن لغتنا ذلت وانحطت وجنسيتنا زالت وأصبحنا بلا جنسية فعلا يا عم :( 
قال الأستاذ مصطفى صادق الرافعى - رحمه الله - فى كتاب " وحي القلم" :  
   ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ ، ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضاً على الأمةِ المستعمَرَة ، ويركبهم بها ويُشعرهم عَظَمَته فيها ، ويَستَلحِقُهُم من ناحيتها ، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً فى عملٍ واحدٍ : أما الأولُ : فحبْسُ لغتهم فى لغتِهِ سِجناً مؤبداً . وأما الثاني : فالحكمُ على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً . وأما التالثُ : فتقييدُ مستقبلهم فى الأغلالِ التى يصنعُها ، فأمرهم من بعدِها لأمرِهِ تَبَعٌ . " إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ . والتاريخ صفة الأمة ، كيفما قلَّب أمر الله ، من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها : .

اعتذر ان كان النص يحوي اخطاء نحوية :)

ملاحظة : أنا طبعا استخدم الفرونكوفون كثيرا يعني هذا الكلام موجه لي أولا وقبل كل شيء :p

السبت، فبراير 07، 2015

أين نذهب يا بابا؟



عنوان الكتاب: أين نذهب يا بابا؟
  الكاتب:
ترجمة: أيمن عبد الهادي.
عدد الصفحات: 130صفحة
تاريخ القراءة:   فيفري 2013
التقييم: 4 نجمات.

 

جرعات متتالية من الألم مع كل صفحة أقلبها 

نعم هكذا أنهارت كل أحلام الأب أمام لعبة الوراثة .
كم هو مؤلم وقاس أن تغمض عينيك للحظات وتتخيل حياتك مع طفلين معاقين مختلفين عن كل أقرانهما ... أن لا ترقب تطورهما الجسدي عبر مرور الزمن لأن الزمن يتحرك وهم يبقون ساكينين صامدين أمام كل التطورات الفكرية في حين تكون البيولوجيةسابقة للزمن ..فيشيخان وهما في ربيع العمر .
سيكون مؤلما حتما أنك لن تسطيع أن تقول لابنك أحبك لانك مهما صرخت فلن يسمعك .
أحاسيس كثيرة ستختصر ، حركات ومشاعر ستلغى من حياتك فقط لأن لديك أطفال معاقين 

**
يا عصفوراي الصغيران، ينتابني حزن عميق عندما اتذكر أنكما لن تخبرا أبدًا ما قد صنع لي أهم لحظات حياتي.
هذه اللحظات الرائعة حيث يختزل العالم في شخص، لا نوجد إلا من أجله ولأجله، نرتعش عندما نسمع وقع خطواته، حين نسمع صوته، وتخور قوانا عندما نراه، من نخشى كسره من فرط ضمه، من نضطرم حين نقبله، ويصبح العالم من حولنا مشوشًا ... لأنه واحسرتاه، عصفوراي الصغيران، لن تعرفا أبدًا أن تقرنا الضمير الشخصي المفرد والصيغة الخبرية المضارعة لفعل: يُحب

**
بالموازاة سيكون الألم مضاعفا عندما ترى أطفال أقرانك " طبيعيين" لا عباقرة ولاخارقين للعادة فقط طبيعيين 


“عندما نشاهد طفلاً وليداً نتعجب. يا لحسنه. ننظر إلى يديه نحصي عدد أصابعه , و نسجل خمسة في كل يد , نفعل الأمر نفسه مع قديمه , و نصاب بالدهشة , ليسوا أربعة ولا ستة , فقط خمسة , كل مرة هي معجزة . و لا أتحدث عن الداخل , الأكثر تعقيداً. 
أن بصبح لك طفل , أمر يستحق المجازفة ... لا نربح في كل المرات . و لكننا نستمر في فعل ذلك.

في كل ثانية على الأرض تلد إمرأة طفلاً... 
يتعين العثور عليها و الحديث إليها لكي تتوقف , يضيف الكاتب الهزلي . 
-أين نذهب يا بابا؟-” 

وضعنا الكاتب في جو لامتناهي من الأسى بتلك التشبيهات المستمدة من عمق الواقع المعاش لدى هذه الفئة فكان التصوير غاية في الأبداع .



جعلني الكتاب أفكر كثيرا واعيد جميع العبارات التي كان يسردها الأب ، وتساءلت كثيرا، ترى أيعلم آباء الأطفال العاديين انهم في نعيم ... أنهم عاشوا لحظات العمر كما ينبغي ... أن كل الوقائع قد مرت دون بتر لأي حدث 
!!!!
في النهاية شكرا للكاتب فقد جعلني أدرك معنى أن يكون الطفل طبيعيا أو العكس.

الجمعة، فبراير 06، 2015

ألف شمس مشرقة


عنوان الكتاب: ألف شمس مشرقة
الكاتب: خالد الحسيني.
عدد الصفحات: 415 صفحة
تاريخ القراءة:   6-11 أكتوبر 2012
التقييم: 5 نجمات.

بدأنا القراءة في صالون الجمعة ... كان جو الأصدقاء رائع ومحفز للقراءة أكثر وبطريقة أجمل .

في الجزء الأول من رائعة خالد الحسيني لم أستطع تصور حجم الألم الداخلي لهذه الزهرة البرية التي تدعى مريم ؟

كيف استطاعت وهي ابنة الخمس سنين أن تتحمل أذنها سماع كلمة بحجم كلمة - ابنة حرام- ؟ أن تتعايش معها أن تحسها ، أن تتخبط في التساؤلات اللا منتهية ، دون ان تسمع الاجابة التي لربما تمحي بعضا من ألمها ، كيف؟ كيف؟

كانت حواسها ممزقة منذ لحظة زرعت عنوة، ونبتت عنوة، وانتشت عنوة، لتسقى عند انتاشها اخيرا بعبارات الازدراء والذل وبالرفض القاطع .

تنفسّت الضياع بين أم جعلها الظلم تكشر عن انيابها لتعضها بها اولا ، وبين اب عاش معها بوجهين،،، حين سقطت أنياب "نانا" ورحلت الى الأبد سقط قناع "جليل" وضاعت معه الأحلام المزخرفة بالأكاذيب التي كان يتفنن في رسمها عند كل زيارة لها .
رشيد لم يكن سوى هروب اجباري للمجهول عله يمحي بعضا من صفحات الماضي التي لم يكن ل "مريم" يدا في خط كلمة منها ولافي رسم تفاصيلها المخزية ...
مريم صرخة تحمل في طياتها ألم كل أنثى قاصر لبسها رجل عمره يضاعف عمرها رغما عنها، فيعيش الجسد منفصلا عن الروح .
في الفصل الثاني من رائعة ألف شمس مشرقة ظهرت شمس جديدة تتربع الى جانب مريم تدعى "ليلى" كان ظهرورها نوعا ما غير ساطع بحجم ما كنت اتصور لمسرى الرواية ... كانت ضعيفة مستسلمة منقادة لحب طفولي اسمه "طارق" زرع فيها هي الاخرى زهرة جديدة لكن بلون وعطر جديد...
تمرنت ليلى على الألم حتى اصبح جزء أزلي منها فقدت الأب والام وقبلهما الاخوين فمع الجزء الثالث ازدادت روعة الرواية وعاد بنا الكاتب بقوة الى مسرى ومجريات الأحداث ...
مريم وليلى مثال صارخ لما عانته المرأة الأفغانية من عنف داخلي خانق ،وخارجي ممقوت كانتا تحت سطوة رشيد الذي احسسته مريض نفسي ويعاني من عقدة ما ... ينهال بكل وحشية على بنتين صغيرتين هما زوجتاه بالضرب المبرح ليداوي تلك العقدة التي كبرت معه ولم يجد لها دواء سوى هذا الاسلوب ...

تساءلت كثيرا هل كل النساء الافغانيات ضعيفات ومقهورات وتابعات دوما لمريض نفسي كرشيد أومستهتر لامسؤول مثل جليل او حتى اناني منذ نعومة اظافره مثل ابن ليلى أو حتى لجماعة قمعية أو استعمار مثل طالبان والسوفييت وحتى امريكا مؤخرا.

مهما تكلمت عن الرواية فلن أوفيها حقها منذ أول صفحة وأنا انتظر شروق الشمس على شموس الشخصيات لكن في النهاية اشرقت شمس المعرفة في روحي وعقلي وازاحت صورة جهلي عما يعانيه غيري في بلدان لاتسطع فيها الشمس أبدا

الخميس، فبراير 05، 2015

الكاتب الفلسطيني يحمل هم قضيته في إبداعه/ إمتياز النحال زعرب

حوار أجريته يوم 27 أفريل من عام 2014 مع الكاتبة الفلسطينية " امتياز النحال زعرب" لجريدة المقام الجزائرية
حين حاورتها كان قد نُشِر لها كتابين: 
- حد الوجع: وهو عبارة عن قصص قصيرة ومقالات وكلها تصب في الوجع الوجع الفلسطيني.
- فلسطينيات: وهو كتاب يجمع بين دفتيه نخبة من خيرة نساء فلسطين اللواتي رفعن اسم فلسطين كل حسب توجهها واختصاصها...
أما مؤخرا فقد صدرت لها روايتها الأولى التي تحمل عنوان " أوجاع الروح" والمتوفرة حاليا في معرض القاهرة الدولي للكتاب..
 
سعدت جدا بمحاورة كاتبة رقيقة كـ " امتياز النحال زعرب"



من موطن الوجع "غزة" تحدثنا الكاتبة الفلسطينية الشابة امتياز النحال، لتحكي لنا عن تجربتها مع الكتابة والقراءة...
كبداية، هل لك أن تعرفي القراء عنك أكثر؟

اسمي امتياز النحال زعرب ، من غزة – فلسطين ، حاصلة على شهادة البكالوريوس من كلية الآداب تخصص لغة إنجليزية / فرنسي من جامعة الأزهر بغزة عام 2003 م.

متزوجة ولدي طفلان هما : " أحمد وراما " ، وأعيش حاليًا في مدينة غزة.

شاركت في العديد من المؤتمرات والفعاليات الوطنية والثقافية ، وكتبت العديد من المقالات والخواطر والقصص القصيرة.
كانت لدي عدة تجارب في النشر الورقي منها:

·        أبجدية إبداع عفوي ، نصوص ، مع مجموعة من المؤلفين ، 2011 م.
·        حد الوجع ، قصص وأشياء أخرى ، 2012 م.
·        نوافذ مواربة ، نصوص ، مع مجموعة من المؤلفين ، 2013م.
·        فلسطينيات ، وجوه نسائية فلسطينية معاصرة ، سير وتراجم ، 2013م.
·        أوجاع الروح ، رواية ، سوف تصدر قريبًا إن شاء الله في منتصف هذا العام.

...............................................

التدوين كان الشرفة التي نشرتِ من خلالها كتاباتك للوطن العربي، ومن خلاله انتشر صيتك ولم يبق مكبوحا في غزة فقط، احكي لنا أكثر عن هذه التجربة وعن انطلاقتك في الكتابة حتى قبل التدوين.

بدايتي في الكتابة كانت منذ مرحلة المراهقة ، كان هناك بعض المحاولات في كتابة الخواطر والأشعار الوطنية ، وبعض المقالات الصحفية والمسرحيات التي كنت أقوم بتأليفها وتمثيلها في الإذاعة المدرسية في المناسبات الوطنية والاجتماعية.

كان نشاطي الأدبي مقتصر على النشاطات المدرسية ، وفي فترة الجامعة ، كانت لدي تجربة قصيرة في تحرير نشرة ثقافية بعنوان " فلسطينيات " خاصة بالزهرات الفلسطينية ، لكنها لم تستمر للأسف.

ثم توقفت لفترة عن الكتابة الأدبية واكتفيت بتسجيل اليوميات والمذكرات ، وانغمست أكثر في القراءة ثم عدت للكتابة مرة أخرى من خلال المدونة.

بدأت التدوين عام 2010م من خلال مدونتي " قلم ودفتر .. من وجع البنفسج " ، والحمد لله كان لها صدى طيبًا عند المدونين والمتابعين ، وهذا الشيء ساعدني على الاستمرار في الكتابة وأخذ خطوات رسمية في النشر الورقي فيما بعد.

................................................

 بدايتك مع النشر الورقي كانت من رحم الوجع فكان كتاب "حد الوجع" الذي كانت أغلب قصصه القصيرة ومقالاته تصب في قالب الوجع الفلسطيني بصفة عامة والغزاوي بصفة خاصة، حدثينا أكثر بنفسك عن ظروف الكتابة منذ البداية وحتى النشر وظروفه أيضا.

تعرفت من خلال بعض الأصدقاء في عالم التدوين على مشروع النشر لمن يستحق التابع لدار ليلى – كيان كورب ، والذي شارك فيه العديد من المدونيين في مرحلته الأولى والثانية ، والحمد لله تمكنت من المشاركة في هذا المشروع في مرحلته الثالثة من خلال كتابي الأول " حد الوجع ".

بالنسبة لحد الوجع ، فهو عبارة عن جزئين ، الجزء الأول عبارة عن مجموعة قصصية قصيرة والجزء الثاني عبارة عن نصوص ومقالات.

غالبية قصص حد الوجع كانت مستمدة من الواقع الفلسطيني والمعاناة التي يعيشها المواطن الفلسطيني في غزة المحاصرة ، أما المقالات والنصوص فقد سبق أن نشرتها على مدونتي وفيها أناقش بعض المظاهر الاجتماعية والسياسية المختلفة في المجتمع الفلسطيني.

.............................................

إصدارك الثاني كان كتاب "فلسطينيات" وكان المحتوى مختلف تماما وحتى النشر كان داخل قطاع غزة على عكس كتابك الأول، ماذا يمكنك أن تضيفي لنا عن وصف لمحتواه؟ وكيف خطرت على بالك الفكرة؟

كتابي الثاني فلسطينيات – وجوه نسائية فلسطينية معاصرة تم نشره وتسويقه في قطاع غزة فقط – للأسف – وذلك بسبب الحصار المفروض على غزة.

الكتاب عبارة عن عرض سير وتراجم 250 امرأة فلسطينية منذ بداية القرن العشرين وحتى الآن ، يضم كوكبة من النماذج النسائية الفلسطينية المشرفة والتي أبدعت وتميزت في المجالات المختلفة ، فالمتصفح للكتاب يجد الرائدات والشهيدات والاستشهاديات والمناضلات والأسيرات بالإضافة إلى الكاتبات والشاعرات والفنانات التشكيليات ، ولقد خصصت فصلين في الكتاب للحديث عن الطفلات الفلسطينيات بالإضافة إلى قصص النجاح التي حققتها بعض النسوة الفلسطينيات.

كانت محاولة بسيطة مني لتركيز الضوء على هؤلاء النسوة كنموذج – وليس حصر – للمرأة الفلسطينية المبدعة ، وخاصة أنه لم يكن هناك من قبل محاولة لضم هذه الكوكبة من النساء بين دفتي كتاب مستقل وخاص بالمرأة الفلسطينية وحدها دون غيرها.

غالبية الكتب التي نشرت كان يتم ذكر بعض النساء الفلسطينيات في متنها ، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها نشر كتاب يتحدث فقط عن النساء الفلسطينيات ومجالات إبداعهن.

كانت ظروف نشر الكتاب صعبة للغاية بسبب ارتفاع تكاليف النشر الورقي في ظل الحصار المفروض على غزة بالإضافة إلى كبر حجم الكتاب وعدم وجود مؤسسة ثقافية تدعم نشره ، لكن كانت هناك رغبة شديدة تسكنني وتدفعني لنشر هذا الكتاب رغم المعوقات التي اعترضتني وبالتالي خرج للنور ولكنه ظل حبيسًا في مكتبات القطاع فقط ، ولقد حاولت جاهدة توفير بعض النسخ الالكترونية المجانية للمهتمين وبعض القراء الجادين في محاولة بسيطة مني لإخراج هذا الكتاب من غزة وإيصاله للقارئ العربي.

أتمنى أن يكون هناك طبعة ثانية للكتاب وأن يتم تسويقه في الدول العربية من خلال أي دار نشر عربية تتبناه وتدعمه ، فهذه النماذج الموجودة بين دفتي الكتاب تستحق أن يتعرف عليها القارئ العربي.

..............................................

قرأنا لكتاب كبار أمثال الكاتبين الكبيرين غسان كنفاني وإبراهيم نصر الله، هذين الكاتبين وغيرهما نقلوا لنا الجرح الفلسطيني بعبقرية تدمي القلوب، هل تعتقدين أن الكاتب الفلسطيني بغض النظر عن جنسه أو معتقداته هو مجبور على حمل القضية؟ وما هي مسؤوليتك ككاتبة شابة تجاه الإرث الذي خلفه هؤلاء الكتاب عن القضية مثلا؟

نحن مجبرون على فعل ذلك من باب حق فلسطين علينا كأبنائها ، الذين يسيرون في هذه الدنيا يحملون قضيتها ويدافعون عنها بأقلامهم ، لا يمكنك فصل الكاتب – بغض النظر عن جنسيته – عن وطنه وقضايا مجتمعه ، فما بالك بالكاتب الذي يحمل هم وقضية عظيمة مثل قضية فلسطين ، إنه يحمل مأساته ويحاول أن يرسمها بالحروف ، وينقلها للعالم بأسره لشرح قضيته الإنسانية العادلة ولفضح الممارسات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني ، إنها نوع من المقاومة لا تختلف كثيرًا عن المقاومة المسلحة.

نحن ، جميعًا ، امتداد لغسان كنفاني ، نكتب حكاياته وقصصه التي لم يمهله الوقت لكتابتها ، لقد مات غسان كنفاني لكن بالمقابل ولد مئة غسان جديد ، يستكمل مسيرته ، ويحافظ على إرثه.

علينا حمل هذا الإرث الثقيل والسير في نفس الدرب ، ففلسطين تستحق ذلك من أولادها.

................................................

الكاتبة المصرية الكبيرة "رضوى عاشور" كتبت فلسطين من خلال رواية "الطنطورية " وهي بذلك كسرت الحاجز الذي يجعل البعض يعتقد أن القضية أو الألم يكتبه من عاشه، ما رأيك في هذه التجربة؟ وهل ستكتبين يوما لأحد الدول العربية النازفة كمصر أو ليبيا مثلا ؟

في البداية ، ليس على الكاتب أن يعيش الألم بشكل شخصي حتى يكتب عنه بشكل أفضل ، فهناك ، مثلاً ، من يكتب عن الموت أو المرض أو السفر ويبدع في ذلك دون أن تكون له تجربة شخصية في هذا الأمر ، وهذا الأمر يعتمد على براعة وموهبة الكاتب بشكل أساسي.

بالنسبة للكاتبة القديرة رضوى عاشور ، لقد أبدعت في روايتها " الطنطورية " لدرجة أنني لم أشك للحظة واحدة بأنها ليست فلسطينية أو ، على الأقل ، أن ليس لها جذور فلسطينية.

لقد عبرت عن النكبة الفلسطينية وما تلاها من أحداث ونكسات وهزائم من خلال أبطال روايتها أفضل تعبير ، ونقلت الصورة بوضوح كبير للقراء العرب.

اذكر بأنني بكيت وبشدة في مقاطع كثيرة في تلك الرواية ، لقد كان إحساس الدكتورة رضوى عاليًا جدًا وقد أدخلتني في تفاصيل روايتها ولمست صدقها وصدق مشاعرها ، ولقد تسببت هذه الرواية – رغم جمالها – بدخولي في حالة من الحزن العميق والاكتئاب ووضعتْ – للأسف – حاجزًا نفسيًا بيني وبين كاتبتي المفضلة ولم أقرَّب من رواياتها الأخرى لمدة تعدت الثلاثة شهور وهي مدة ، في عرفي ، طويلة جدًا.

لقد تأثرت وبشدة بتلك الرواية ، لأنها قريبة جدًا من الجرح الفلسطيني والذي نكأته الكاتبة بكل قسوة ودون أدنى رحمة أو رأفة بنا كقراء ، وهذا هو المطلوب ، حتى تبقى فلسطين وجرحها في الذاكرة الجماعية للشعوب العربية ، فنحن بحاجة لمن ينكأ ذلك الجرح باستمرار لكي لا ننسى.

بالنسبة للكتابة عن مصر أو ليبيا أو غيرها من الدول العربية والإسلامية ، بالتأكيد ليس لدي مانع في ذلك ، ولما لا ، فنحن أخوة تربطنا وحدة الأرض والدم ، ومأساتنا واحدة وإن تعددت أشكالها.

..................................

بالإضافة إلى أنك كاتبة مميزة، أنت قارئة نهمة أيضا، فقد قارب عدد الكتب المقروءة من طرفك والتي كتبت عنها أيضا تعليقات ثرية على رفك في موقع غودريدز الألف كتاب، ماذا أضافت لك القراءة كقارئة أولا وككاتبة ثانيا؟

لا يمكن فصل القراءة عن الكتابة ، فكلاهما يكمل الآخر ، اعتقد بأنه لا يوجد كاتب غير قارئ ، فالقراءة تثري ملكة الكتابة عند الكاتب وتضيف إلى محصلته اللغوية مفردات وتراكيب لغوية جديدة من خلال الإطلاع على كل ما هو جديد في عالم الكتابة.

بالنسبة لي بدأت مشواري الأدبي من خلال القراءة وهي التي حببتني في الكتابة فيما بعد ، فأنا اعتبر نفسي قارئة بالدرجة الأساسية ، والقراءة هي هوايتي الأولى ومن ثم تأتي الكتابة في المرتبة الثانية.

فالقراءة هي حيوات جديدة تضاف إلى حياتي القصيرة وبها متعة وفائدة كبيرة ، وهي وسيلتي للتعرف على العالم وزيارة الكثير من البلاد بعيون كتًّابها وهي وسيلة أيضًا للخروج من الحصار المفروض علينا كشعب فلسطيني وخاصة ممن يعيشون في قطاع غزة.

...................................

الوضع في قطاع غزة مأساوي كما يعلم الجميع وأغلب الوقت بدون كهرباء، لكن رغم هذا أنت على تواصل دائم مع قرائك، ماذا لو نقلتنا قليلا إلى الجو هناك والظروف التي تزاولين فيها الكتابة والقراءة؟

لا أخفيك سرًا بأن الأوضاع في قطاع غزة مأساوية وسيئة للغاية ، لكن نحن شعب جبار قادر على التكيف في أسوأ الظروف الحالكة ، ولدينا قدرة غريبة على التأقلم بشكل جيد مع الأوضاع الصعبة.

وأنا أحاول جاهدة أن استمر بالتواصل مع العالم الخارجي ، مع الأصدقاء والمتابعين ، وذلك من خلال تنظيم وقتي بما يلائم أوقات توفر الكهرباء ، وذلك باستغلال فترات الانقطاع الطويلة في انجاز الأعمال المنزلية والقراءة وأحيانًا، وأثناء توفر الكهرباء أقوم بنشر كتاباتي على مدونتي وأتواصل مع أصدقائي وأشاركهم بآرائي ومراجعاتي في الكتب التي قرأت
..............................................

للكتاب الشباب الذين هم في طريق النشر أو بصدد الشروع في وضع أقدامهم في عالم الكتابة ماذا تنصحينهم؟  وما هي كلمتك الأخيرة لقرائك ؟

نصيحتي أقدمها لنفسي قبل أن أقدمها لغيري هي عدم التسرع في النشر الورقي أو الالكتروني ، يجب على الكاتب أن يتروى وأن يراجع كتاباته مرات ومرات وأن يتأكد من خلوها من الأخطاء اللغوية والنحوية ، وأن يعرض كتاباته على مختصين وخبراء قبل أن يعرضها على القراء ، لأن القراء لا يرحمون ولا يحابون أحد.

كما أنصحهم بالقراءة المنتظمة والجادة ، ومواصلة التدريب على الكتابة لصقل الموهبة وتنميتها.

بالنسبة للقراء ، أتمنى أن تنال كتاباتي إعجابهم وأن تكون عند حسن ظنهم بي وأن يستمروا في دعمي معنويًا حتى أستطيع أن أواصل مشواري الأدبي.

******
حاورتها: إلهام مزيود

الأربعاء، فبراير 04، 2015

لماذا يجب أن تتزوجي رجلا يقرأ؟؟


بقلم: جهان سمرقند 

تزوجي رجلا يقرأ لأنه سيراك كتابا مقدسا يتلوه طرفي النهار و زلفى من الليل. أو كتابا نادرا يملك وحده مخطوطته الضائعة..يقلب صفحاته بحذر خشية أن تتمزق..
تزوجي رجلا يقرأ لأنه سيحاول جاهدا أن يثبت لك في أول لقاء لكما أن شوبنهاور أحسن من هيغل بدل أن يسعى إلى استمالتك ببضع كلمات حب، ليس لأنه لا يجيدها ،إنما لأنك أنت قصيدته التي لا يريدها أن تنتهي
تزوجي رجلا يقرأ لأنه سيسافر بك إلى مدن لم يزرها وأزمنة لم يشهدها..ستعيشان حبكما في زمن الكوليرا..سيأخذك لزيارة "الحي اللاتيني" ليعرفك على "البؤساء"، سيطير بك "في سماء كوبنهاغن" و يخبرك عن " خفة الكائن التي لا تحتمل".. ستمران على " تاجر البندقية"  في بحثكما عن "لقيطة اسطنبول"..و في "زقاق المدق" ستلتقين " أولاد حارتنا"..ستشهدين معه أزمنة " الحرب و السلام" و تسافرين " في قطار الشرق السريع" إلى " سمرقند" و في طريقكما ستنبهرين إذ يريك " ألف شمس مشرقة".. و على "باب الشمس" سيهديك "طوق الياسمين" و يعبر بك إلى " الألف" و سيلقنك هناك "قواعد العشق الأربعون" كوردٍ صوفي..سيقيم على شرفك " وليمة من أعشاب البحر"  يدعو إليها "زوربا" و " دون كيشوت" و "آنا كارنينا"و "هاملت"..سيكتفي بك وحدك لـ" مائة عام من العزلة"و لا يستبدلك بـ "فتاة من ورق" ستهب عليكما " رياح الجنوب" فتضيعان في "فوضى الحواس"..لكن لأنه يقرأ سيجد " نجمة" يهتدي بها.
إن تزوجتي رجلا يقرأ فاستعدي لأن تكوني أما لعمر الخيام و نظام الملك و آق شمس الدين و مالك بن نبي و اشكري حظك لأن إدارة المستشفى رفضت أن يحمل أبناءك أسماء كبورخيس و هاروكي و نيرودا و اوشو..لكن دعي له أيضا فرصة اختيار أسماء البنات لأنه سيختار حتما أسماء الملكات " زنوبيا" أو " بلقيس" أو ربما أسماء مدن من التاريخ "قرطبة" أو " إشبيلية" أو في أسوء الأحوال أسماء لروايات " لوليتا" أو "بريدا"
تزوجي رجلا يقرأ، فإنه يمتلك في رصيده من كلام الغزل ما يكفيك عمرا..قد يغازلك بشعر صوفي لابن الفارض أو بأبيات ماجنة لابن الرومي..
إن تزوجتي رجلا يقرأ فلا تقاطعيه أثناء قراءته لكتاب و لا تنزعجي من ردة فعله إن قاطعته، فبعد أن ينتهي من القراءة سيمسك يدك و يرحل بك إلى أماكن لم تخلق بعد و أزمنة لم توجد و هناك سيتوجك ملكة .
تزوجي رجلا يقرأ لأنك ستكونين محرابه و سجادة صلاته فيعلمك رقصة " سماع"..و في أحيان أخرى ستكونين زجاجة خمره و ثمالة كأسه و سيرقص معك رقصة "زوربا".
تزوجي رجلا يقرأ و لا تستغربي إن كان يحمل كتابا ثم رفعه قليلا ليغطي به وجهه، و اعلمي حينها أن دمعة ترقرقت في عينه لأن مقطعا ما قد فرك قلبه.
إن تزوجتي رجلا يقرأ لا تستغربي إن كانت مكتبة بيتكما مليئة و الثلاجة فارغة ..فهو يؤمن أننا خلقنا لنقرأ لا لنأكل .
إن تزوجتي رجلا يقرأ فبإمكانك دائما أن تصالحيه بكتاب أو حتى سطر من كتاب .. فقط اختاري الأحسن.
تزوجيه يقرأ، و سيطلع أبناءك في سن مبكرة على النص الكامل لـ "أليس في بلاد العجائب" و "رحلة غوليفر".
إن أردتي أن تعيش أكثر من حياة و في أكثر من مكان فتزوجي رجلا يقرأ..

و الأفضل من ذلك تزوجي رجلا يكتب.

الثلاثاء، فبراير 03، 2015

ثلاثية أطفال الحجارة

عنوان القصيدة: ثلاثية أطفال الحجارة
الشاعر: نزار قباني 
 
بهروا الدنيا
وما في يدهم إلا الحجارة
وأضاؤوا كالقناديل
وجاؤوا كالبشارة.
قاوموا
وانفجروا
واستشهدوا
وبقينا دببا قطبية
صفحت أجسادها ضد الحرارة.
قاتلوا عنا
إلى أن قتلوا
وبقينا في مقاهينا
كبصاق المحارة:
واحد
يبحث منا عن تجارة
واحد
يطلب مليارا جديدا
وزواجا رابعا
ونهودا صقلتهن الحضارة
واحد
يبحث في لندن عن قصر منيف
واحد
يعمل سمسار سلاح
واحد
يطلب في البارات ثاره
واحد
يبحث عن عرش وجيش
وإمارة.
آه يا جيل الخيانات
ويا جيل العمولات
ويا جيل النفايات
ويا جيل الدعارة
سوف يجتاحك -مهما أبطأ- التاريخ.
أطفالَ الحجارة.
***
يا تلاميذ غزة
علّمونا

بعض ما عندكم
فنحن نسينا..
علمونا
بأن نكون رجالا
فلدينا الرجال
صاروا عجينا..
علمونا
كيف الحجارة تغدو
بين أيدي الأطفال
ماسا ثمينا..
كيف تغدو
دراجة الطفل لغما
وشريط الحرير
يغدو كمينا..
كيف مصاصة الحليب
إذا ما اعتقلوها
تحولت سكينا.
يا تلاميذ غزة
لا تبالوا
بإذاعاتنا
ولا تسمعونا..
اضربوا
اضربوا
بكل قواكم
واحزموا أمركم
ولا تسألونا..
نحن أهل الحساب
والجمع
والطرح
فخوضوا حروبكم
واتركونا..
إننا الهاربون
من خدمة الجيش
فهاتوا حبالكم
واشنقونا..
نحن موتى
لا يملكون ضريحا
ويتامى
لا يملكون عيونا..
قد لزمنا جحورنا
وطلبنا منكم
أن تقاتلوا التنينا..
قد صغرنا أمامكم
ألف قرن
وكبرتم
خلال شهر قرونا.
يا تلاميذ غزة
لا تعودوا
لكتاباتنا ولا تقرؤونا..
نحن آباؤكم
فلا تشبهونا..
نحن أصنامكم
فلا تعبدونا..
نتعاطى
القات السياسي
والقمع
ونبني مقابرا
وسجونا.
حررونا
من عقدة الخوف فينا
واطردوا
من رؤوسنا الأفيونا..
علمونا
فن التشبث بالأرض
ولا تتركوا
المسيح حزينا.
يا أحباءنا الصغار
سلاما
جعل الله يومكم
ياسمينا..
من شقوق الأرض الخراب
طلعتم
وزرعتم جراحنا
نسرينا..
هذه ثورة الدفاتر
والحبر
فكونوا على الشفاه
لحونا..
أمطرونا
بطولة وشموخا
واغسلونا من قبحنا
اغسلونا..
لا تخافوا موسى
ولا سحر موسى
واستعدوا
لتقطفوا الزيتونا..
إن هذا العصر اليهودي
وهم
سوف ينهار
لو ملكنا اليقينا.
يا مجانين غزة
ألف أهلا
بالمجانين
إن هم حررونا..
إن عصر العقل السياسي
ولى من زمان
فعلمونا الجنونا.

***
يرمي حجرا
أو حجرين
يقطع أفعى إسرائيل إلى نصفين
يمضغ لحم الدبابات
ويأتينا
من غير يدين..
في لحظات
تظهر أرض فوق الغيم
ويولد وطن في العينين..
في لحظات
تظهر حيفا
تظهر يافا
تأتي غزة في أمواج البحر
تضيء القدس
كمئذنة بين الشفتين..
يرسم فرسا
من ياقوت الفجر
ويدخل
كالإسكندر ذي القرنين..
يخلع أبواب التاريخ
وينهي عصر الحشاشين
ويقفل سوق القوادين
ويقطع أيدي المرتزقين
ويلقي تركة أهل الكهف
عن الكتفين..
في لحظات
تحبل أشجار الزيتون
يدر حليب في الثديين..
يرسم أرضا في طبريا
يزرع فيها سنبلتين..
يرسم بيتا فوق الكرمل
يرسم أما تطحن عند الباب
وفنجانين..
في لحظات تهجم رائحة الليمون
ويولد وطن في العينين..
يرمي قمرا من عينيه السوداوين..
وقد يرمي قمرين..
يرمي قلما
يرمي كتبا
يرمي حبرا
يرمي صمغا
يرمي كراسات الرسم
وفرشاة الألوان..
تصرخ مريم يا ولداه
وتأخذه بين الأحضان..
يسقط ولد
في لحظات
يولد آلاف الصبيان..
يكسف قمر غزاوي
في لحظات
يطلع قمر من بيسان..
يدخل وطن للزنزانة
يولد وطن في العينين..
ينفض عن نعليه الرمل
ويدخل في مملكة الماء..
يفتح أفقا آخر
يبدع زمنا آخر
يكتب نصا آخر
يكسر ذاكرة الصحراء..
يقتل لغة مستهلكة
منذ الهمزة حتى الياء..
يفتح ثقبا في القاموس
ويعلن موت النحو
وموت قصائدنا العصماء..
يرمي حجرا
يبدأ وجه فلسطين
يتشكل مثل قصيدة شعر..
يرمي الحجر الثاني
تطفو عكا فوق الماء قصيدة شعر..
يرمي الحجر الثالث
تطلع رام الله بنفسجة من ليل القهر..
يرمي الحجر العاشر
حتى يظهر وجه الله
ويظهر نور الفجر..
يرمي حجر الثورة
حتى يسقط آخر فاشستي
من فاشست العصر..
يرمي
يرمي
يرمي
حتى يقلع نجمة داوود
بيديه
ويرميها في البحر..
تسأل عن الصحف الكبرى
أي نبي هذا القادم من كنعان؟
أي صبي
هذا الخارج من رحم الأحزان؟
أي نبات أسطوري
هذا الطالع من بين الجدران؟
أي نهور من ياقوت
فاضت من ورق القرآن؟
يسأل عنه العرافون
ويسأل عنه الصوفيون
ويسأل عنه البوذيون
ويسأل عنه ملوك الجان:
من هو الولد الطالع
مثل الخوخ الأحمر..
من شجر النسيان؟
من هو هذا الولد الطافش
من صور الأجداد
ومن كذب الأحفاد
ومن سروال بني قحطان؟
من هو هذا الباحث
عن أزهار الحب
وعن شمس الإنسان؟
ومن هو هذا الولد المشتعل العينين
كآلهة اليونان؟
يسأل عنه المضطهدون
ويسأل عنه المقموعون
ويسأل عنه المنفيون
وتسأل عنه عصافير خلف القضبان:
من هو هذا الآتي
من أوجاع الشمع
ومن كتب الرهبان؟
من هو هذا الولد
التبدأ في عينيه
بدايات الأكوان؟
من هو
هذا الولد الزارع
قمح الثورة
في كل مكان؟؟
يكتب عنه القصصيون
ويروي قصته الركبان:
من هو هذا الطفل الهارب من شلل الأطفال
ومن سوس الكلمات؟
من هو
هذا الطافش من مزبلة الصبر
ومن لغة الأموات؟
تسأل صحف العالم:
كيف صبي مثل الوردة
يمحو العالم بالممحاة؟
تسأل صحف في أمريكا
كيف صبي غزاوي
حيفاوي
عكاوي
نابلسي
يقلب شاحنة التاريخ
ويكسر بلّور التوراة؟؟


الاثنين، فبراير 02، 2015

أحب نطقك لحروف العلّة لـِ فلاديمير نابوكوف


في يوليو سنة ١٩٢٣، وبعد شهرين تقريبًا من لقائهما، كتب نابوكوڤ إلى ڤيرا:
“لست معتادًا على أن يفهمني أحد، لست معتادًا على هذا لدرجة أنني اعتقدت في الدقائق الأولى من لقائنا أن الأمر أشبه بمزحة، ثم …
هنالك أشياء يصعب الحديث عنها، لكنكِ تستطيعين التخلص من كل طبقات الغبار فوقها بكلمة وحدة … أنتِ لطيفة …
نعم، أحتاجك، يا قصّتي الخياليّة، لأنك الشخص الوحيد الذي أستطيع التحدث معه عن ظل غيمة، عن أغنية فكرة، عن الوقت الذي ذهبت فيه للعمل ونظرتُ إلى زهرة عبّاد شمس، ونظرتْ إليّ، وابتسمتْ كل بذرة فيها.
أراكِ قريبًا يا متعتي الغريبة، يا ليلتي الهادئة. كيف بإمكاني أن أفسر لكِ سعادتي، سعادتي الرائعة الذهبيّة، وكيف أنني ملكٌ لكِ، بكل ذاكرتي، بكل قصائدي، بكل ثوراتي، وزوابعي الداخليّة؟ كيف بإمكاني أن أشرح لك أنني لا أستطيع كتابة كلمة واحدة دون أن أتخيّل طريقة نطقكِ لها - ولا أستطيع تذكر لحظة واحدة تافهة دون ندم لأننا لم نعشها معًا، سواءً كانت لحظةً خاصة، أو كانت لحظةً لغروب الشمس، أو لحظةً يلتوي فيها الطريق- هل تفهمين ما أقصد؟
أعلم أنني لا أستطيع إخبارك بكل ما أريد في كلمات- وعندما أحاول فعل ذلك على الهاتف، تخرج الكلمات بشكل خاطئ تمامًا. وعلى من يتحدث معك، أن يكون بارعًا في حديثه.
وأهم من هذا كلّه، أردت لكِ أن تكوني سعيدة، وبدا لي أن باستطاعتي منحكِ هذه السعادة - سعادة مشرقة، بسيطة، وليست سعادة كليّة أبديّة.
إنني على استعداد لإعطائك كل دمائي، إن اضطررت لذلك -قد يبدو حديثي سطحيًا- ولكن هذا ما أشعر به. أستطيع أن أشعل عشرة قرون بحبي، بأغنياتي وشجاعتي. عشرة قرون كاملة، مجنّحة وعظيمة، مليئة بالفرسان الذين يصعدون التلال الملتهبة، وأساطير عن العمالقة وطروادة، وعن الأشرعة البرتقاليّة، عن القراصنة وشعراء. وهذا ليس وصفًا أدبيًا، لأنك إن عدتِ لقراءته مرةً أخرى ستكتشفين أن الفرسان يعانون من زيادةٍ في الوزن.
أحبكِ، أريدكِ، أحتاجكِ بشكل لا يطاق… عيناكِ - اللتان تشرقان عندما تسندين رأسك للخلف، وتحكين قصة مضحكة- عيناكِ، صوتكِ، شفاهكِ، كتفاكِ - خفيفان، مشرقان… لقد دخلتِ حياتي، ليس كما يدخل الزائر، بل كما ترجع الملكات إلى أوطانهن، وجميع الأنهار تنتظر انعكاسك، وجميع الطرق تنتظر أقدامكِ.
أحبكِ كثيرًا. أحبك بطريقة سيئة (لا تغضبي، يا سعادتي). أحبكِ بطريقة جيدة. أحب أسنانكِ…
أحبكِ، يا شمسي، يا حياتي، أحب عينيكِ، مغمضتين، أحب أفكاركِ، أحب نطقك لحروف العلّة، أحب روحك كاملةً من رأسك حتى قدميك.”
ــ أحب نطقك لحروف العلّة لـِ فلاديمير نابوكوف