الاثنين، فبراير 09، 2015

فزع – ابراهيم جابر ابراهيم


(1)

فَزِعٌ ممّا لا يحدثُ لي

.. من شجرةٍ تخبّئُ لي في بطنها تابوتاً أنيقاً

ومن رجلٍ ستصادفينَهُ في المصعد بعد أسبوعين

(وقد يعجبُك)!

.. فزِعٌ من الليل ينتظرني في فِراشي

كعتمةٍ مسنونةٍ

..

فزِعٌ من نوايايَ أنا

وممّا يمكرُ لي فمُك!

..

فزِعٌ مما يُبيّتُ لي غيابُك

من قُبلةٍ لم تُكمليها..

من ضحكاتنا

ومن شرّ هذا “الضحِك”!

..

فزِعٌ من عطلتكِ الأسبوعية؛ تقضينها في قراءة شعراء أجملَ مني!

من قميصكِ الأزرق الفضوليّ: يظلُّ يراقبُ ما يدور بخاطِرِك!

..

فزِعٌ من اليقظةِ، من النوم

من الماء..

من الملائكة يدخلون إلى بيتي خِفافاً ويخرجون يجرّونَ أجنحتهم

من ثِقَل الأوزار

..

فزِعٌ.. حتى أن أدخلَ المطبخ!

فزِعٌ أن تزعجكِ الإشارةُ الضوئيّة في الطريق

أن تنامي دونَ حكايتي

دون قهوتي ونعاسي

وأغانٍ نعيدُ توزيعها

..

فزِعٌ أن تستطيعي!

..

فزِعٌ أن ألتقي بأبي على باب القيامة

فلا أعرف اللهجة الدارجة!

أن يُداهمني الشتاءُ بعيداً عن بيتنا

وأن أموت بين طائرتين

..

فزِعٌ أن يجفّ الماء في فمي

حين أصيرُ غريباً وتنادينني:

"أيها السيّد؛ سقطتْ حقيبتكَ الصغيرة"!

فزِعٌ أنكِ لا تعرفين: تلكَ فيها صوركِ وفرشاة أسنانكِ

ويسيلُ منها على الأرض خيطٌ رفيع:

كلامُنا!

فزِعٌ أن أصير عاديّاً مثل كلّ من قبّلوكِ يوماً

وثنوا أغصانهم في ثيابهم وراحوا

..

أن تمرّي بي كما تمرّين بالبقّال ونشرة الأخبار

فزِعٌ أن لا تندلقَ قهوتكِ على ركبتِك إن سالَ صوتي من الهاتف!

أن تأتيكِ مواسمُ الخصب فلا تقلّبينَ اسمي كحبّات القهوة

على نار البدو!

..

فزِعٌ أن تُصابي بغيري!

أن أمرَّ من تحت بيتكِ فلا ينبح الكلب الودود

سيجعلني أفكّر: لم أعُد مدهشاً حتى لكلب الحراسة!

فزِعٌ أن أطرقَ الباب فتعرفني الخادمة!

فزِعٌ أن تعرفيني إن غبتُ يومين مُتتاليين وألاّ تتفقّدي ما نقصَ

من أعضائي في غيابِك!

..

سيُسعدني أن تمتعضي من كثرة الشيب ومن هزالي

وشيخوختي

سيسعدني أن تقولي: بدأتَ تكبُر!

سيسعدني أنني أكبُرُ كل يومٍ فلا أُصيبكِ بالسَأَم

وَ.. أن تطردي الخادمة إن تعرّفتْ عليّ!

(2)

فزِعٌ

أن يصير الهواء

في غرفتي غيرَ صالحٍ للأكل!

وأن ترين صورتي في الصحف فتمرّينَ عنها: أين راحتْ صفحةُ الأبراج؟

فزِعٌ أن آخذكِ للبحر فترمينَ وجهكِ من نافذة السيارة

وتهربينَ من يدي!

..

فزِعٌ مما يحدث لعاشقينِ يذهبان للحبّ كالدوام المدرسيّ:

معلّمٌ يُعبئُ طباشيرهُ بالموعظة

وتلميذ عليه أن ينجح في فحص البلاغة كل يوم!

..

فزِعٌ أنكِ لم تبتلّي في يدي،

والبحر..

يُمسكُ يدكِ الثانية!

.. سأعتذرُ كل يوم عن خطأٍ لا أعرفهُ

وعن حبٍّ ناقصٍ

وعن موسيقا سمعتِها يوماً قبل خمس سنوات ولم تعجبكِ!

..

فزِعٌ أنني سأصيرُ يوماً

رجلاً مرَّ من تحت إبطِ الحكاية

فلم يتركْ سطراً واحداً يدلُّ عليه!

..

فزِعٌ وأشتهي تعلّمَ الموسيقا

لأُعيدَ توزيع الحكاية

كي تُطربَك!

..

فزِعٌ من الليل يمرُّ عليّ بعيداً

وأن أموتَ فلا يسمح لي المعزّون

أن ألوّحَ لكِ من فوق أكتافهم

فزِعٌ أن أموت وأحلمَ في وحشة الموت أن رجلاً جالسٌ الآن

يشربُ الشاي معك!

.. فزِعٌ من شتائمكِ

من برودةِ الجوّ في الطائرة

من السماء تبدو جرداءَ جداً دون ضحكتِك

من الهواء يلفحني فلا تمدّينَ وجهكِ شالاً!

..

فزِعٌ أن أُصابَ بالبكاء

والناسُ هناك لا يعرفونني

سيسألونَ: من أضاعتْ طفلها، فتركض عشرون امرأةً ليبكينَ عليّ

ويَمضينَ لأطفالهنّ..

وأنتِ تُطعمينَ حليبكِ للرجل الغريب، كأنني ما حملتُ اسمكِ يوماً

ولم أكن أُخربشُ فوق نهدكِ: سآكلُ عُمركِ

حبّةً.. حبّةً.. كالكرز!

كأنكِ.. (وأنتِ تضعينَ كفّكِ على فمِ المذيع كي أنام)

ما لظمتِ لي عُمُري ساعةً.. ساعةً.. كعِقد الخرز!

فزِعٌ حينها من جُثتي الثقيلة على ظهركِ الغضّ

فلا تَحملينني في بيتكِ ليلةً واحدة!

سأنزلُ عن ظهركِ.. يومها،

..

لأحملها معَكِ!

هناك تعليقان (2):