السبت، يناير 10، 2015

طه حسين والأيام

عنوان الكتاب: الأيام
الكاتب: طه حسين.
عدد الصفحات: 520 صفحة
تاريخ القراءة: من 30 ديسمبر إلى 02 جانفي.
التقييم: 05 نجمات.


لا يمتطى المجد من لم يركب الخطرا **** ولا ينال العـــلا مــن قــدم الحـــذرا 
ومــــن أراد العـــلا عفواً بـلا تعــب **** قضى ولم يقض من إدراكهـا وطــرا
لابـــدّ للشهـــد مــــن نحـــل يمنـعـــه **** لا يجتبي النفع من لم يحمل الضررا
لا يبلـــغ الســــؤل إلا بعــــد مؤلمـــة **** ولا يتـــم الـمنى إلا لمـــن صبــــرا
ولا ينــــال العلا إلا فتــى شــــرفــت **** خصالـــه فأطــاع الدهــــر ما أمـرا
قد تكون أبيات الشاعر العربي صفي ابن الحلي التي سبق ذكرها شرحا وفيا للمرحلة التي اختزلت حياة طه حسين منذ ميلاده حتى وفاته،
طالما سمعت عن عميد الأدب العربي وانا في مرحلتي الثانوية ولم تكن حيرتي في كيف أصبح عميدا للأدب العربي ونال هذا اللقب بقدر سؤالي الدائم عن الدروب التي سلكها ليصل إلى مبتغاه...
في كتاب "الأيام" الذي بين يدي يروي طه حسين في ثلاث فصول متتالية حياته في ثلاث مراحل، ما لفت انتباهي وشدني الى الكتاب بعدما تململت عن اكماله في البداية هو لغته الراقية، وطريقته في السرد التي لم يسبق لي قرأت في أي سيرة من سيرة العظماء...
انطلق من قرية صغيرة تعلم فيها القرآن والاغاني والتعديد والقصص وشعر الهلاليين والزيانيين وهو لم يبلغ التاسعة، والجدير بالذكر والملاحظة أن روحه كانت روحا متحدية صبورة منذ الصغر اذ انه لم يستسلم لفقدان بصره بعدما عمى بعد اصابته بالرمد وذلك الخطأ الذي وقع فيه الحلاق الذي جاء ليداويه فذهب ببصره عوضا عن ذلك...ووصل الى ما سبق ذكره وهو لم يتجاوز التاسعة
وبدون ذكر عوامل التشجيع التي تلقاها من اسرته التي كانت تسهر على متطلباته ودفعت به للكتَّاب ثم بعدها للازهر فالجامعه غير ان هذه العائلة كان اقصى ما كانت تطمح اليه من هذا الكفيف أن يعود بما يمكّنه من كسب قوته، وهذا لسان ابيه يقول مغتبطا:

 
وقد وصل إلى ما اغبط قلبه وقلب والديه وكل محبيه بعد صراع طويل مع نفسه ومع محيطه الذي لم يفرش له البساط الأحمر أو ينثر الورود على دربه:


حتى ايفاده الى فرنسا لم يكن الا بعد معاناة طالت واحلام وامال ظفر بها حينا وانكسرت احيانا أخرى،لكن تلك الانكسارات جبرتها انسانة اعادت للحياة معناها ودفعت به قدما لينال ما ينال من الدرجات التي حظي بها هناك، فكانت الصوت العذب الرقيق الذي قرأ له كل ما تهوى نفسه من روائع الأدب الفرنسي وأوليات التاريخ الروماني، وأعانته على درس اللاتينية وساعدت في تقوية فرنسيته كما ساعدته على الكتابة وتحصيل العلم فكان دورها فعالا واستمر بل زاد بعد زواجهما هذا الاهتمام، فرافقته خطوة بخطوة لتكون عيناه التي يبصر بهما..


حين فرغت من السيرة تذكرت تلك القصيدة الرائعة التي ألقاها نزار قباني في رثاء طه حسين والتي كانت خطابا ثوريا لا مثيل له: 
ضوءُ عينيكَ أم هما نجمتانِ
كلهم لا يَرى... وأنتَ تراني
ضوءُ عينيكَ أم حوارُ المرايا
أم هما طائران يحترقانِ
إرمِ نظارتيكَ ما أنتَ أعمى
إنما نحن جوقةُ العميانِ
أيها الأزهريُّ يا سارقَ النارِ
ويا كاسراً حدودَ الثواني
عُدْ إلينا فإن عصرَك عصرٌ
ذهبيُّ ونحن عصرٌ ثاني
سقطَ الفكرُ في النفاق السياسي
وصار الأديبُ كالبهلوانِ
عُدْ إلينا يا سيدي عُدْ إلينا
وانتشلْنا من قبضةِ الطوفانِ
أيها الغاضبُ الكبيرُ تأمل
كيف صار الكُتّاب كالخرفانِ
إن أقسى الأشياءِ للنفسِ ظلماً
قلمٌ في يد الجبانِ الجبانِ
إنني في حُمّى الحسين وفي الليل
بقايا من سورة الرحمنِ
تستبد الأحزانُ بي فأنادي
آه يا مصرَ من بني قحطانِ
حبسوا الماء عن شفاه اليتامى
وأراقوه في شفاه الغواني
يشترون القصورَ... هل ثمَّ شارٍ
لقبور الأبطال في الجولانِ
يشترون النساء... هل ثمَّ شارٍ
لدموع الأطفال في بيسانِ
يشترون الدنيا وأهل بلادي
ينكشون التراب كالديدانِ
لمن الأحمرُ المراقُ بسيناء
يحاكي شقائقَ النعمانِ
يا هوانِ الهوانِ هل أصبح النفط
لدينا أغلى من الإنسانِ
أيها الغارقونَ في نعمِ الله
ونعمى المربرباتِ الحسانِ
قد رددنا جحافلَ الرومِ عنكم
ورددنا كسرى أنو شروانِ
وحمينا محمداً وعلياً
وحفظنا كرامةَ القرآنِ
فادفعوا جزية السيوفِ عليكم
لا تعيشُ السيوفُ بالإحسان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق